البيئة والأخلاق والتغيير

المتتبع لواقع الحياة يعلم بأن حياتنا الحديثة ومافيها من تطور صناعي وتقني وسلوكياتنا الاستهلاكية تؤدي إلى الإضرار الشديد على البيئة، وقد يشعر الواحد منا برغبة في تقليل هذا الضرر ومحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه من فساد، ولكن الواقع يخبرنا بأن تبني سلوكيات صديقة للبيئة في جميع جوانب الحياة أمر شديد الصعوبة والتعقيد، ولذلك قد نتساءل: إن لم أكن في كامل سلوكياتي مراعياً للبيئة فما الجدوى من التحسين في جانب وإفساد جانب آخر؟ وقد يرى الفرد منا عدم جدوى تغيير سلوكه الفردي وأن الأمر أكبر منه ومرتبط بالشركات والمصانع والحكومات وما إلى ذلك.

لكن من المهم التخلي عن وهم الكمال وإدراك أن التغيير الجزئي، مهما كان بسيطًا، أفضل من عدم التغيير على الإطلاق. فالمهم أن يبذل الإنسان ما في وسعه ضمن حدود قدراته، وأن يبدأ رحلة التغيير، ثم يستمر في تحسين سلوكياته تدريجيًا في جوانب أخرى، وأن لا يستصغر جهده مهما قل.

على سبيل المثال: ما فائدة تقليل استهلاك البلاستيك إذا كانت سيارتي تستهلك الوقود الأحفوري وتبعث الغزات الضارة وتؤثر سلبًا على البيئة؟ في الحقيقة إن أي خطوة إيجابية مهما صَغُرت ستُحدث فرقًا على المدى البعيد. لذلك ابدأ بالتركيز على الجوانب التي يسهل تغييرها، ومع مرور الوقت، ستجد أن التعلم والخبرة يساعدانك في مواجهة التحديات الأكبر.

لذا، ابدأ اليوم بوضع قائمة بالأمور التي يمكنك تغييرها على الفور واخطو الخطوة الأولى، فالتغيير يبدأ بخطوة واحدة، والأهم أن تبدأ الآن. مثلاً يمكنك الاستغناء عن قوارير مياه الشرب البلاستيكية والاستعاضة عنها بتعبئة القوارير القابلة لإعادة الاستخدام (المطّارات)، فالفرد الواحد قد يؤثر على أفراد ممن حوله ويحفزهم على تبني نفس السلوك، وقيام مجموعة من الناس بذلك سيصنع قدوات في المجتمع تأثر على غيرها وتقود التغيير الإيجابي خطوة بخطوة، وانتشار هذا السلوك شيئا فشيء سيحفز على انتشار مبادرات إعادة التدوير ونشر ثقافته، مما يجعل لها التغيير بسيط أثرآ كبيراً على المدى البعيد.

واعلم بأن الإنسان مستأمن على كل مافي هذا العالم من مخلوقات، وأنه مسؤول أخلاقياً عما يقع فيه من ضرر أو نفع، كلٌ على قدر استطاعته ووسعه، كما يبين قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، وكما يشير الحديث الشريف (إن قامتِ السَّاعةُ و في يدِ أحدِكم فسيلةٌ، فإن استطاعَ أن لا تقومَ حتَّى يغرِسَها فليغرِسْها)، حيث بنبه على ضرورة فِعل الإنسان للواجب مهما صغر حجمه.

✍️ بقلم:

سالم باعارمة

أحدث التدوينات

30 يونيو 2024

Scroll to Top