منذ أن ابتلي الإنسان بلوثة “العقلانية” ازداد وهماً على وهم فيما يتعلق بفهمه لواقع الحياة. فالعقلانية هي ليست سوى بحث عن الأسباب والمسببات، وهذا البحث يعتمد على ما يراه من عوامل ظاهرة قابلة للإدراك الحسي.
وما عرف “العقلانيون” بأن الظواهر المحسوسة خادعة لأنها لا يمكن أن تمثل الحقيقة بأكملها، فهنالك عوامل لا يبقى لها أثر، أو قد لا تتضح علاقتها بشكل مباشر أو ما يسميه أهل الاحتمالات ب”الادلة الصامتة”، أو أنها عوامل اقترانية وليست سببية كما يصفها المنطقيون الشكيون بعبارة الاقتران لا يعني السببية Correlation does not mean causation.
فلو كان العقلانيون أكثر ذكاء وزكاء لعرفوا بأن الإيمان بالتدبير الإلهي أكثر عقلانية من الإيمان بالسببية المادية المطلقة والتي لن تصل بالإنسان لإدراك أي حقائق قطعية إلا في سياق ضيق. وهذا الأمر لا يقول به اللاهوتيون فقط إنما هو مذهب فلسفي بلوره في الزمن المعاصر فيلسوف العلم كارل بوبر في نظريته حول الدحض Falsifiability.
لذلك فإن التوكل مع الصبر، والدعاء مع الرضا هي وسلية الأنجع لإدراك حقائق الأمور إيماناً بالتدبير الإلهي الحكيم للعالم، وإن كمال العقلانية لا يتحقق إلا بتمام الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ