ظاهر البرد وباطنه في لوحة أوتومات لإدوارد هوبر

 
تتجلى في أعمال الرسام الأمريكي البارز إدوارد هوبر مظاهر الوحدة وانعزال النفس عن المحيط الذي تعيش فيه، وهي عزلة إجبارية يقع المرء فيها بلا اختيار منه إنما يفرضها عليه واقع الحياة المدنية الحديثة ونمطها. 
 
ونجد في أعمال هوبر قدرة فائقة على التعبير بإبداع فني عن مظاهر الأشياء والأجواء العامة للحياة اليومية، وكذلك امتلك هوبر قدرات لا تقل إبداعاً للتعبير عن بواطن النفس من خلال طريقة تمثيله للشخصيات في لوحاته.
 
يدعونا هوپر في لوحة Automat إلى استشعار مظاهر البرد، والتي يبرزها من خلال تفاصيل صغيرة مثل المدفأة والمعطف والقفازات والظلام الحالك في ليل الشتاء الطويل.
 
ويبدو لي أن هوپر ينقل لنا معنى آخر كذلك يتعلق بالبرد، وهو معنىً باطن يتمثل في مزيج من الحزن والكآبة والخذلان الظاهر في قسمات وجه البطلة، كذلك ذهنها الشارد ونظراتها الحائرة في الفنجان المعلق بين يديها، كل ذلك يعبر عن برد تقاسيه في أعماق الوجدان.
 
ربما أراد هوپر الإشارة إلى أن وسائل التدفئة كفيلة بمساعدتنا على التغلب على برودة الطقس، ولكن الإنسان الحديث الذي بلغ مبلغاً عظيماً في اختراع هذه الوسائل وتطويرها لم يقدر على إيجاد وسيلة لتدفئة وجدانه وحماية باطنه، فلا سبيل له لذلك إلّا بالأنس بسواه من البشر ممن يغمرون وجدانه بدفء الرحمة، وينيرون ظلامه بضوء الرأفة، فكيف وإن كان أنسه بمن يتحقق بوصله أعلى مراتب الأنس.

 

 
 

✍️ بقلم:

سالم باعارمة

أحدث التدوينات

30 يونيو 2024

Scroll to Top