٥ أكتوبر ٢٠٢٤
متحف فان غوخ
عند الساعة العاشرة كان موعدي مع المرشد السياحي لبدأ الجولة في متحف فان غوخ الشهير.
وقد خصص الهولنديون لفنسنت فان غوخ متحفاً خاصاً به مما يدل على أهميته ومكانته عندهم. وقد يكون ذلك مستغرباً إذا ما عرفنا بأن فان غوخ لم يشتهر في حياته وعاش حياة بائسة انتهت بالانتحار.
مما جعل لفان غوخ قيمة كبيرة في تاريخ الفن هو معرفتنا بتفاصيل دقيقة عن حياته من خلال مراسلاته إلى أخيه ثيو والتي بلغت أكثر من ٨٠٠ رسالة، حيث يوضح محتوى الرسائل جوانب عميقة من شخصيته وما كان يجول في ذهنه والاضطرابات النفسية التي مر بها فشكلت أمامنا تصور واضح لمسار حياته كلها.
ولكن الفضل الأكبر في شهرته يعود إلى زوجة أخيه ثيو وابنها فينسنت جونيور الذان كرسا حياتهما للترويج لأعماله بعد موته ونشرها والاهتمام بها فقد ورثت زوجة أخيه كل أعماله بعد تخلي عائلته عنها لظنهم بأنها مجرد خربشات ليس ذات قيمة، واعتنت برسائله ووثقتها وبدأت في الترويج للأعمال وإقامة المعارض الخاصة به حتى نال الشهرة والاهتمام الكبير. ولا تزال العائلة تدير إرثه الفني من خلال مؤسسة فان غوخ غير الربحية التي أسسها إبن أخيه, والتي تدير كذلك هذا المتحف.
المعرض يحتوى على أكثر من ٢٠٠ عمل من أعمال فينسنت فان غوخ مقسمة إلى عدة أقسام بحسب التسلسل الزمني، ويصاحب كل قسم استعراض لأبرز المحطات في حياته.
كان فان غوخ غزير الانتاج، فقط كان يرسم بشكل عفوي من غير تحضير شديد ودراسة مسبقة لما يريد رسمه. وقد بلغ عدد لوحاته أكثر من ٩٠٠ لوحة منذ أن بدأ مسيرته في الرسم بعمر ٢٧ عام حتى انتحاره وهو في عمر الـ٣٧ عام، وهي فترة زمنية قصيرة نسبياً.
انتهج فان غوج نهجا جديداً في الفن وهو التعبير عما يختلج في النفس من خلال اللوحة، فموضوع العمل الفني هو مشاعره وأحاسيسه، وما يظهر في اللوحة من أشكال هي مجرد أدوات. هذا الاتجاه أصبح يمثل التيار السائد في الفن الحديث بفضل التوجهات الفلسفية الحداثية وتمحورها حول الذات ونسبية الحقائق والمعاني، فظهرت على إثر ذلك التكعيبية والسريالية والتجريد والدادائية، وغيرها من المدارس الحديثة. لذلك يرى بعض الباحثين بأن فان غوخ مهد الطريق لهم.
وينتهي المعرض بقسم خاص عن فترة حياته الأخيرة التي جرت فيها أحداث درامية مثل حادثة قطع الإذن الشهيرة وقصة انتحاره، ولكن في نفس الوقت كانت غزيرة بالإنتاج الفني المميز.
المتحف ثري ويوضح جوانب مهمة من شخصية الفنان، وبما أن الفن هو عملية إبداعية ذاتية، لذلك فإن دراسة الفنان وتتبع مراحل حياته تفتح آفاق واسعة لفهم العمل الفني وتحليله وتفسير جوانب التميز فيه والإبداع فيه.
خرجت بعدما قضيت حوالي ٤ ساعات ممتعة في المتحف، ثم حان وقت الانتقال نحو الفن المعاصر والذي سأستكمله في التدوينة التالية.