الحرب الباردة على الكينونة العربية

انتهيت من قراءة الكتاب الأول من سلسلة الدكتور مختار الغوث والتي عنونها باسم \”الحرب الباردة على الكينونة العربية\”، وأعتقد بأن هذا المشروع والمشاريع المشابهة له تسلط الضوء على موضوع مهم وملح في هذا الزمن بشكل خاص ألا وهو موضوع أهمية الاعتناء باللغة العربية وارتباطها بالهوية الثقافية للفرد والمجتمع.

قد لا يكون الأمر مهم بالنسبة لنا نحن الذين نشأنا في ظروف اجتماعية وثقافية مختلفة كان فيها الحد الفاصل ما بين مظاهر ثقافتنا الخاصة والثقافات الأخرى واضح بشكلٍ لا يصعب فيه علينا تحديد ماهو داخل في ضمن ثقافتنا وماهو خارج عنه. فعندما كنا نشاهد مسلسلات كرتون او أي منتج ثقافي وارد من ثقافة أخرى فإننا نستطيع التمييز بأن المظاهر التي نراها في هذا المنتج تنتمي إلى مجال ثقافي مختلف عننا وأن ما نشاهده من عادات ثقافية واجتماعية في المسلسلة لا تنتمي لنا. كنا ندرك بأن جيم عندما كان يقدم الجعة إلى القبطان في مسلسل جزيرة الكنز فإن الجعة مشروب مستنكر في مجالنا الثقافي، وعندما نقلد القبطان في شرب الجعة ببراءة فإننا نقلده بحذر خوفا من توبيخ الكبار وغالبا ما ينتابنا تأنيب الضمير بعدها. وعندما نشاهد هايدي تجري في المراعي الخضراء فإننا نعلم بأن هايدي وعائلتها والمراعي والجبال الخضراء وأسلوب حياتهم ينتمي إلى مجال ثقافي آخر مستقل عنا، لذلك عندما يسافر أحدنا إلى جبال الألب فإنه يستحضر هذه الصور والمظاهر الطبيعية والاجتماعية التي يعلم بأنه لن يجدها في ثقافته.

ولكن الوضع اختلف تماماً الآن، فالثقافة الغربية متغلغلة ومهيمنة بشكل لا يجعل الأطفال، أو حتى أغلب الكبار، يدرك بأنها واردة من فضاء ثقافي آخر لا ينتمي له، ويصعب عليه التمييز بسهولة بين ما ينتمي لنا وما ينتمي إلى الآخر.

والأمر يتعدى الأطفال وما يشاهدونه فالآباء والأمهات جزء من المشكلة كذلك للأسف، فما أقبح من أن ترى آباء وأمهات يتحدثون مع أبنائهم باللغة الانجليزية في الحياة اليومية من غير ضرورة وحتى مع عدم إتقانهم لها حيث تسمع الكثير منهم لغتهم الانجليزية ضعيفة ومليئة بالأخطاء ومع ذلك يصرون على هذا الأمر، وأجزم بأن فعلهم ليس بسوء نية منهم إنما هو الانهزام الثقافي والجهل قاتله الله!!

ولا يقتصر الأمر على الأطفال وتنشأتهم فقط، فإن اللغة الدارجة في بيئات العمل الحديثة هي اللغة الإنجليزية لدرجة أن من لا يتحدث الانجليزية ولا يحشو كلامه بمصطلحاتها، وإن لم يكن بحاجتها، ينظر له بعين الازدراء.

لذلك فإني أعتقد بأن أي شخص يعيش في الفترة الحالية من غير وعي كبير بخطورة هذه المظاهر سوف ينزلق لا محالة في نفس المنزلق من غير قصد منه، فمن الواجب على كل شخص مدرك لأهمية الأمر رفع الوعي بخطورة الأمر وتبعاته السلبية على الثقافة والهوية على المدى الطويل.

✍️ بقلم:

سالم باعارمة

أحدث التدوينات

30 يونيو 2024

Scroll to Top